بحـث
المواضيع الأخيرة
دخول
سحابة الكلمات الدلالية
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
امير الظلام | ||||
ابو الساهر | ||||
الحوت | ||||
نمر الاسود | ||||
ابو اسلام | ||||
عاشق الاحزان |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 8 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 8 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 31 بتاريخ الأربعاء أبريل 12, 2023 6:15 pm
الدخول
الروايات البوليسية
شذى الروح :: استراحة :: قصص واقعية
صفحة 1 من اصل 1
الروايات البوليسية
القصة القصيرة فن إنساني تطورت أشكاله وأغراضه بصورة جعلته يتجاوز البنى و الأساليب المعهودة المتعارف عليها ، بحيث اقتربت القصة الحديثة أكثر فأكثر من لغة البوح الشعري و الحوار المسرحي معتمدة التكثيف و التقطير و الشفافية و الأصوات المتعددة ، فإذا كانت الرواية بتشعـباتها و تفاصيلها المتعددة تجعل ولوجها أمراً شائكاً ، فإن القصة القصيرة في سعيها لالتقاط جزيئات الحياة و اغتراف اللحظة النفسية المناسبة وإعادة تشكيل ذلك كله ضمن رؤية جديدة تبدو أكثر صعوبة ، بحيث تجاوزت رؤية القاص همومه المرحلية إلى رؤى أكثر عمقاً.
في مقدمة كتاب ( لغتنا الجميلة ) للصف السابع الأساسي ورد ما نصه: " و قد حرصنا في اختيارنا للنصوص الأدبية – مقالات ، قصص ، قصائد شعرية – في مختلف وحدات الكتاب على إيراد نماذج أدبية رفيعة المستوى لأدباء و كتاب و مفكرين فلسطينيين و عرب و أجانب من كلا الجنسين" .
هذا الحرص من العاملين في مركز المناهج الفلسطينية على اختيار نصوص قصصية فلسطينية و عربية و إنسانية يقتضي استقصاء ما يلي :
1- كيفية تعامل الكتاب المدرسي – المطالعة و النصوص بجزأيه – لصفوف المرحلة الأساسية العليا السابع ، الثامن ، التاسع – مع القصة القصيرة كفن يحمل خصائص متجددة متطورة .
2- الآلية التي وظف فيها الكتاب المدرسي – موضع البحث – المشهد القصصي الفلسطيني المعاصر .
لو استعرضنا القصص الواردة في كتاب المطالعة و النصوص بجزأيه للمرحلة الأساسية العليا ، تلك القصص التي بُنيت على نظام الوحدة الدراسية ، و احتشدت لأجل معالجتها العناصر التالية : " جو النص ، المعجم و الدلالة ، الفهم و الاستيعاب ، التحليل ، التدريب اللغوي ، التعبير أو التلخيص " سيطالعنا كم قليل من النصوص القصصية قياساً بالنصوص التراثية مما يجعلنا نستبعد النصوص التالية التي لا يمكن إخضاعها لشروط القصة القصيرة الحديثة :
أولاً: مجموعة الحكايات و الطرائف التي خُتم بها كل درس تحت لافتة " أقرأ و أستمتعُ " بهدف القراءة الذاتية حيث يبلغ عددها ستة و عشرين نصاً في كتاب الصف التاسع بجزأيه و ثمانية عشر نصاً في كتاب الصف الثامن بجزأيه ، و معظم هذه النصوص منتزع من الكتب التراثية خاصة "من قصص العرب" و "المستطرف في كل فن مستظرف" و "المنتخب من أدب العرب" حيث يحتفي خطاب تلك النصوص بتكريس مبادئ الفصاحة والبلاغة ، و أغلبها مستهلك لا يفتح آفاق التخيل و لا يلامس الهم اليومي الحياتي ، و هنا يلفت الانتباه نصان انضويا تحت تلك اللافتة :
1- قصة العصفور و السلك للأديب المصري د.يوسف إدريس (التاسع :ج 2، ص86) وهذه القصة باعتمادها لغة الإيحاء و التكثيف والظلال المتدرجة والرموز الدالة تتخطى في مبناها و دلالاتها كثيراً من النصوص القصصية التي أُقرت ضمن نظام الوحدة الدراسية في الكتاب بحيث كان من الأجدى عدم تكبيلها بالقراءة الذاتية فقط .
2- فقرة منتزعة بتصرف من رواية نجوم أريحا للكاتبة (ليانا بدر) بعنوان (أريحا : أين هي الآن) (الثامن : 1) وهذه الفقرة لا يُعتد بها في مجال الاستشهاد بفن القصة القصيرة .
ثانياً: النصان التراثيان: ـ
ـ (الحمامة المطوقة) المقتبس من كتاب كليلة و دمنة (السابع :ج1).
ـ (عبد الله البري و عبد الله البحري) المنتزع من كتاب ألف ليلة و ليلة (الثامن ج1) لمجافاة هذين النصين لخصائص القصة الحديثة المحملة بالرؤى الجديدة .
ثالثاً : السيرتان الذاتيتان اللتان نشرتا قبلاً لكاتبين قصصيين و النصان هما :
1- نص (ذاكرة مكان) للأديبة ليانا بدر (الثامن ج1) حيث تستحضر من خلاله ذكريات طفولتها و تنقلها مع والديها من مكان لآخر راسمة صورتين لأريحا قبل الاحتلال الإسرائيلي و بعده ، و قد نشر هذا النص في مجلة الكرمل الفلسطينية عام 1998.
2- نص (مرارة البطالة) للكاتب حنا إبراهيم (الثامن ج2) أحد كتاب القصة القصيرة في الأرض المحتلة منذ عام 1948 و النص يرصد معاناة الكاتب في بدايات حياته زمن الانتداب البريطاني من خلال سيرته الذاتية المنشورة في كتاب (ذكريات شاب لم يتغرب) عام 1988.
رابعاً: المقامة البغدادية (الثامن ج2) و المقامة فن أدبي نشأ في القرن الرابع هجري وقد ساهم في ترسيخه بديع الزمان الهمذاني و مع أن المقامة تستخدم الأسلوب القصصي إلا أن غرضها لم يكن جمال القصص و إنما تجميع شوارد اللغة و نوادر التركيب في قطعة أدبية فنية بأسلوب مسجوع ، و يُلاحَظ على المقامة البغدادية التي اختارها الكتاب المدرسي أنها تحتفي بالخداع ولا ترى فيه إلا نوعاً من البراعة كما فعل بطلها عيسى بن هشام مع ضحيته ، إضافة إلى احتفائها بالألقاب و الصفات الذميمة المتبادلة بين النموذجين .
بعد هذا الكم من النصوص المستبعدة تتبقى ضمن نظام الوحدة الدراسية المستهدفة القصص العربية و المترجمة التالية :
1- (رجال في الشمس ) تلخيص لرواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (السابع ج1) .
2 – (دون كيشوت ) اختزال لرواية الكاتب الإسباني ميجل دي سرفانتس (السابع ج2).
3 – (بائعة الكبريت) للكاتب الدنمركي هانس كريستان أندرسن ـ بتصرف ـ (السابع ج2) .
4 – (زائر المساء) للكاتب الفلسطيني المقيم في الأردن خليل السواحري (الثامن ج1).
5- (أسرة فقيرة) للكاتب الإيطالي جوزيف سيزار اّبا (الثامن ج1)
6 – (الحلم) نص مستل بتصرف من مقدمة رواية اللحن الأول للكاتبة الفلسطينية المقيمة في باريس ياسمين زهران (الثامن ج2) .
7 – (عطر من الماضي) للكاتب الأردني يوسف الغزو (التاسع ج1) .
8 – الدرس القاسي) للأديب الروسي أنطون تشيكوف (التاسع ج1) .
9 - (باب المدينة) للكاتب المصري محمد يوسف القعيد (التاسع ج2) .
بحيث يمكن حصر القصص – مجتمع البحث – ضمن المحاور التالية :
ـ القصص العالمية المترجمة .
ـ القصص العربية .
ـ القصص الفلسطينية .
أولاً :القصص العالمية :
1 - ( دون كيشوت) (السابع ج2) : لقد أثر البتر و التصرف المتعسف على النص المترجم المستل من رواية دون كيشوت للكاتب الإسباني (ميجل دي سرفانتس) ، فبدا السياق مشوشاً مفككاً منقطعاً غير مترابط منذ اللحظة الأولى و كأنه مبني على اللاشيء ، حيث يفتتح الدرس هكذا :
" و بعد أن يحدث هذا و أصبح أنا و تصبح زوجتي آن غيتير ملكة "
دون كيشوت :" و من الذي يشك في ذلك ؟ "
سانشو : "أنا ! .. أنا أشك ، لأنني أعرف زوجتي تمام المعرفة ! ..... "
بحيث يصعب على الدارس أن يعرف من هو دون كيشوت هذا و من هي غيتير أو سانشو ، بل من هي (دولسينا) التي استجار باسمها و هو يصارع مراوح الهواء و ما الذي يريدونه ؟ و لماذا ؟ فالشخصيات ناجزة و الأحداث مشوشة تطأ الذهن دون أي تمهيد و كان من الأجدى لو اشتمل النص على إضاءات أو أنشطة تتابع النص الروائي و توضح مساراته وصولاً إلى لحظة الدخول في الصفحات المجتزئة من النص ، فدون كيشوت بطل تباينت في الحكم عليه الأقلام ، حيث اعتبر البعض أن بطولاته كانت زائفة فيما أنصفه آخرون ، حيث إنه خاض المعارك و نازل طواحين الهواء لإرضاء سيدة الجمال (دولسينا) تلك المرأة التي اخترعها و حارب في سبيلها رغبة في إعلاء القيم .
و بمناسبة الحديث عن القصص المترجمة في الكتب المدرسية – موضع البحث ـ يبرز تساؤل مشروع عن السبب في عدم إدراج أية نبذة من سير الأدباء المترجم لهم و هم الدنمركي (هانس كريستيان أندرسون 1805-1875 ) و الإسباني (ميجل دي سرفانتس 1547-1616) والإيطالي (جوزيف سيزار آبا) رغم أن هناك إضاءات كاملة تناولت سير الأدباء العرب الآخرين .
2 - (بائعة الكبريت ) (السابع ج2) : للكاتب الدنمركي ( هانس كريستيان أندرسن ) ( بتصرف) . تحكي قصة طفلة يتيمة الأم ، لا تجرؤ على العودة إلى البيت لأنها لم تبع سوى علبة كبريت ، لتفترش زاوية بين بيتين ، محاولة أن تصد البرد الشديد والثلج المتساقط بإشعال عيدان الثقاب و رغم ما عانته من ظلم تفارق الحياة والابتسامة تطوق شفتيها الباردتين ، فها هي جدتها الحنون قادمة لتحملها عالياً حيث لا جوع و لا برد و لا عناء .
3- (أسرة فقيرة ) (الثامن ج1) : للكاتب الإيطالي (جوزيف سيزار آبا ).تطالعنا من خلال القصة أسرة كادحة لا تحصل على قوت يومها إلا بصعوبة بالغة ، لكنها تحتضن طفلين يتيمين فقدا أمهما .
4 - ( الدرس القاسي ) (التاسع ج1) : للأديب الروسي أنطون تشيكوف.(1860 – 1904) : يعرض الكاتب قصة خادمة مستكينة عاجزة ترضى بالقهر و تتلقاه صاغرة ، و لا تملك إلا الدمع و تقبل بما يُلقى إليها من فتات حتى على حساب كدها و شقائها و كأن الكاتب يريد أن يقول إن الدنيا لا تأتي بالإذعان و لكنها تؤخذ غلابا .
ولعل ذلك يعزز القناعة لدى المتعلم برفض مثل هذا النموذج النسوي العاجز المستلب المرأة (يوليا ) ، وهذا يتطلب إبراز نماذج نسوية فاعلة ، مكافحة ، قادرة على بناء ذاتها من خلال قصص الكتاب المدرسي .
ثانياً : القصص العربية :
1 - (عطر من الماضي )(التاسع ج1) : تطرح القصة لكاتبها الأردني يوسف الغزو قضية التمسك بالأرض عبر بطلها سالم العائد إلى قريته مع زوجته و أطفاله بعد غياب امتد عشرة أعوام ، بهدف إقناع والده كمحاولة أخيرة بفكرة بيع منزله القديم لاستثمار ثمنه في مشروع نافع ، و رغم أن القرية ليست بعيدة عن مكان عمله في المدينة بدليلين ، الأول : أن أباه قد زاره أكثر من مرة في المدينة ، و الثاني : عودته إلى القرية بسيارته ،مما يدلل على أن ما ساقه من تبريرات بغرض تسويق وتمرير فترة غيابه لا يتفق مع المنطق ، فتارة نجده يجنح إلى الاحتماء بمشاغل المدينة ، و تارة يعلق غيابه على مشجب زواجه من فتاة في المدينة ، و كأن مثل هذا النوع من الزيجات يفترض فيه أن يكون محبطاً مضاداً للمألوف .
في الخاتمة يأتي التنامي في تحول سالم سريعاً على عكس قناعاته التي امتدت عشر سنوات ، حين يعلن أمام زوجته و أطفاله رفضه بيع مسكن القرية (مستودع ذكريات الطفولة و الصبا) حالما يصل إليه حتى لو وافق أبوه على ذلك ، مما يجعلنا لا نتقبل بسهولة هذا التحول المفاجئ غير المبني على تراكمات .
2 - ( باب المدينة )(التاسع ج2) : للكاتب المصري محمد يوسف القعيد .
تطرح القصة بلغة مشحونة بالبساطة و العمق واقع القهر و القمع و الاستبداد الذي يعيشه الإنسان العربي الذي يحلم بأفضلية التغيير ، كما أنها تتعرض لقضية العلاقة بين القرية و المدينة ، عبر رموز تشي بالكثير من الإشعاعات و الدلالات من خلال وقفة أمٍ تحمل بين يديها طفل رضيع على باب المدينة التي غيّبت سجونها وبواباتها زوجها، ومن تلك الرموز :
- فضاء المدينة محاط بسور يتوسطه باب يبدأ من الأرض ولا ينتهي إلا في السماء ، و يسد عين الشمس .
- فضاء القرية يمتد إلى أبعد نقطة عند حافة الأفق لينام في حضن السماء .
- النباتات الشيطانية التي تملأ أرض المدينة تقابلها الأغصان الطرية التي تملأ القرية .
- الزهرة البيضاء التي نبتت في الأرض لتتحدى العفونة و النتانة و مراكز التفتيش.
- المرأة التي تفتش عن زوجها القابع في سجون المدينة محتفظة بطهرها و براءتها و خصبها في صورة لبن صدرها البكر النظيف .
- الطفل رمز المستقبل الحالم بالدفء و الأمان و مستقبل الأيام القادمة رغم رياح الأحزان و سجون العسكر .
ولعل خاتمة القصة (وقفت الأم تحمل الطفل ، كانا ينتظران ) توكيد على عدم الانكسار ، ويمكن القول هنا أن هذه القصة تقترب أكثر من غيرها من بنية القصة الحديثة ، حيث لغتها الغنية بالإيحاءات و الصور والألوان التي تسهم في إبراز قبح الواقع و تشف عن رؤى جديدة .
ثالثاً : القصص الفلسطينية :
1- ( رجال في الشمس ) للأديب غسان كنفاني (السابع ج1) : القصة اختزال وتوليد قيصري وتكبيل لرواية متكاملة عبر خمس صفحات احتلت الكتاب المدرسي ، حيث تحولت هذه الرواية ـ التي تشكل إحدى العلامات الإبداعية الفنية المضيئة في تاريخ الأدب الفلسطيني ـ إلى نص مشوه الملامح منغلق يصعب التعرف من خلاله على كُنه العمل الفني الأصلي بأحداثه و شخوصه ، و قد كان من الأجدى اعتماد قصة قصيرة لذلك الكاتب الفذ و ما أكثرها أو إقرار النص الروائي كاملاً دون تلخيص أو بتر كنشاط مرافق لكتاب المطالعة و النصوص .
2- (الحلم ) (الثامن ج2) :
نص مجتزأ من مقدمة رواية اللحن الأول للكاتبة الفلسطينية المقيمة في باريس ياسمين زهران ، حيث تؤكد الرواية التي نشرتها الكاتبة في بدايات التسعينيات من القرن الفائت على حلم العودة إلى قرية شِعَب الله - أرض الصبا المصادرة منذ عام 1948- عبر الاتكاء على مخطوطة ضائعة تعثر عليها الكاتبة في خرائب بيتها القديم ، بحيث يمكن اعتبار المخطوطة نوعاً من استعادة الزمن المتوهج و استرجاع أيامه الضائعة ، و هنا تتحول المخطوطة إلى ذاكرة تاريخية تنهض فلسطين بكل عناوينها و جغرافيتها من بين صفحاتها ، و لعل النص المنتزع من مقدمة الرواية بعنوان ( الحلم ) كنص مدرسي لا يشي بشيء يمكن أن يضيء النص الروائي الأصلي المستبعد و إن بدت اللغة هنا مليئة بالتوتر الإنساني المعبر عن أوجاع الشخصية .
3 - ( زائر المساء) (الثامن ج1) للكاتب الفلسطيني المقيم بالأردن خليل السواحري ولعل هذا النص يشكل النموذج القصصي الفلسطيني الوحيد في كُتب المطالعة و النصوص للمرحلة الأساسية العليا .
من خلال أحداث القصة نتتبع لقاء الراوي بأبي صالح في فندق دمشقي إثر موعد مسبق حدده أبو صالح عبر الرسالة التي سلمها لموظف الفندق حيث يتذكر الراوي بعد محاولات تفكير مضنية أن الرجل الماثل أمامه هو والد صالح الورداني أحد تلاميذه النجباء في المدرسة الرشيدية المقدسية وأنه عندما التقى به في عمّان بعد ثلاث سنوات من نزوح 1967 أخبره و هو يرتدي ملابس الفدائيين أن صالحاً قد قُتل في أول أيام الحرب في شارع صلاح الدين ، وهاهو الآن يجلس أمامه بعد مرور عشر سنوات على لقائهما الأخير ليخبره أن عائلته ما تزال تعيش في عمّان ، وأنه يواجه الموت في كل لحظة في الجنوب وأن الشباب من أمثال صالح يسقطون كل يوم على أرض الجنوب فلا وقت للحزن ما دام الوطن هو الماضي والحاضر و المستقبل .
القصة في مجملها محاكاة للواقع عبر تفاصيل مفعمة بالحشو والإطالة الزائدة التي لا تشف عن دلالات جديدة بحيث يمكن حذف أكثر من نصفها دون أن يشكل ذلك أية جناية على بنيتها الفنية ، فالفترة الزمنية المحصورة بين مرحلة تسلم الراوي من موظف الفندق رسالة أبي صالح و مرحلة لقائه به ، تلك الفترة استهلكت أكثر من صفحتين لم تنجح تقنية السارد الذاتي التي لجأ إليها القاص في تطوير الحدث أو إضاءته ، بحيث يمكن استبعاد الصفحتين (40 ، 41) بكل اطمئنان وصولاً إلى الفقرة الثالثة من الصفحة التالية لهما لتبدأ القصة من عبارة : " في تمام الساعة السابعة كان رجل نحيف........." (ص42) .
إضافة إلى الحشو و الاسترسال يمكن تلمس روح الوعظ و الخطابية التي تفوح في النص ، كما في المقتبس التالي من حديث أبي صالح رداً على الراوي : " أهكذا هي حياتكم ؟ يا للعجب ! نحن في الجنوب نواجه الموت في كل لحظة ، و لكننا مع ذلك نحيا حياتنا ، حاضرنا كله امتلاء و عطاء ، و المستقبل لا يشغلنا كثيراً ولا نعبأ به لأننا على يقين بأن ما نفعله هو الذي سيصنع المستقبل " .
من هنا يمكن القول أن هذا النص ـ الذي لا يعتبر أجود إبداعات كاتبه ـ لا يستجيب للغرض الذي اُختيرت النصوص من أجله " تحقيقاً لرغبة المتعلمين في مواكبة العصر وولوج عالم الحداثة والانفتاح على الآخرين ....والإحساس بالكلمات الموحية ، و استشعار دلالاتها ومكامن الجمال الذي تشي به ظلالها و إشعاعاتها " بحسب مقدمة كتاب المطالعة و النصوص للصف التاسع .
ويلاحَظ هنا في مجال تتبع القصص الفلسطينية التي بنيت على نظام الوحدة الدراسية أن الطبعة الثانية لكتاب المطالعة و النصوص للصف الثامن ج2 للعام الدراسي 2003/2004 قد شهدت استبعاداً للنص القصصي(الطريق إلى طبرية) بعد عام من إقراره و تدريسه ، و هذا النص هو الفصل الرابع المنتزع بتصرف من رواية الأديب يحيى يخلف (بحيرة وراء الريح ) المنشورة في بيروت 1980، و الرواية تدور حول الواقع الذي أدى إلى احتلال مدينة طبرية حيث تؤكد الصفحات المنتزعة ـ التي حُذفت لاحقاً ـ أن المستعمرات اليهودية هي مصدر الخطر الدائم الذي يهدد حياة الإنسان الفلسطيني ، فضباع الغابة التي أرّقت نوم حامد و عبد الكريم و هما متجهان إلى مدينتهم طبرية ليست أقسى من الوحوش البشرية التي استولت على الأرض الفلسطينية .
ويمكن القول هنا أن إلغاء هذا النص مرجعه ضرورات مختلفة ليس لها علاقة بقضية اجتزاء فصل من سياق رواية .
ويسَجَّل هنا أيضاً جنوح القصص ـ موضع الدراسة ـ إلى استخدام تقنية السارد الموضوعي العارف ، العليم ـ الكلاسيكي ـ الذي لا تخفى عليه الأسرار ، فيما ندر توظيف تقنية السارد الذاتي ـ ضمير المتكلم ـ في الوقت الذي غاب فيه أسلوب تيار الوعي ـ المناجاة النفسية ، الحوار الذاتي ـ المعبر عن خبايا الشخوص و أحاسيسها و تطلعاتها بلا وساطة .
ملاحظات و توصيات :
بعد استعراض القصص الواردة في كتاب المطالعة و النصوص بجزأيه لصفوف المرحلة الأساسية العليا ( السابع و الثامن و التاسع ) يُلاحَظ ما يلي :
1- غياب المشهد الحقيقي للقصة القصيرة الفلسطينية من الكتاب المدرسي الفلسطيني – مجتمع البحث- .
2- ابتعاد النصوص القصصية التي اختارها الِكتاب المدرسي عن أساسيات الفن القصصي الحديث الذي يعتمد الإيحاء و التكثيف ومكوِّنات السرد المتطورة و الرموز الدالة المناقضة للحشو و الاسترسال والخطابية و الشرح عدا نموذجين أُحيل أحدهما ( قصة العصفور و السلك ) لزاوية القراءة الذاتية ( أقرأُ و أستمتعُ ) رغم أن هذه القصة تشكل حالة تجاوزت القصص التي تنعّمت بوحدة دراسية كاملة .
3- غياب قضايانا المصيرية و همومنا الحياتية ( الهوية الفلسطينية ـ بناء الإنسان الفلسطيني ـ الاحتلال ـ المقاومة ) من أجندة مضامين النماذج القصصية الفلسطينية المنتقاة .
4- تغييب الإبداعات القصصية للأقلام التي شقت درب الكتابة الوعر متجاوزة مراحل القهر وقوائم الممنوعات و المحظورات التي سادت الضفة الغربية و قطاع غزة بعد احتلال1967 ، فلم يتسع الكتاب ـ موضع الدراسة ـ لأي منها سواء في نصوص الوحدة الدراسية أو في نصوص القراءة الذاتية .
5- انتقاء كتاب المطالعة و النصوص ـ المستهدف بالدراسة ـ نماذج لأسماء قصصية لأسباب خاصة لا تتعلق بحجم الإبداع أو نوعه ، كما أنها لا تتعلق بمقولة " رفيعة المستوى " التي تبنتها مقدمة كتاب الصف السابع .
6- ضآلة الكم الممنوح للقصة القصيرة في الكتاب المدرسي ـ موضع البحث ـ قياساً بالحكايات و الطرائف التراثية البعيدة في معظمها عن الهم اليومي .
7- الأعمال القصصية العالمية المترجمة التي ضمها الكتاب المستهدف بالدراسة مكررة مستهلكة وكلها تنتمي للثقافة الأوربية ـ إسبانيا ، الدنمرك ، روسيا ، إيطاليا ـ مما يتطلب البحث عن نصوص أكثر معاصرة من جهة ، ممثلة لشعوب و حضارات متباينة متعددة من جهة أخرى .
8- التعامل مع الروايات بطريقة متعسفة ( بتراً، تقليماً ، ضغطاً ) لتتناسب مع حجم الدرس بما يشكله ذلك من تشويه يدفع باتجاه المطالبة بإقرار نصوص روائية ، أو نصوص لمجموعة قصصية فلسطينية مشتركة كنشاط مرافق لكتاب المطالعة و النصوص دون اجتزاء أو حذف
في مقدمة كتاب ( لغتنا الجميلة ) للصف السابع الأساسي ورد ما نصه: " و قد حرصنا في اختيارنا للنصوص الأدبية – مقالات ، قصص ، قصائد شعرية – في مختلف وحدات الكتاب على إيراد نماذج أدبية رفيعة المستوى لأدباء و كتاب و مفكرين فلسطينيين و عرب و أجانب من كلا الجنسين" .
هذا الحرص من العاملين في مركز المناهج الفلسطينية على اختيار نصوص قصصية فلسطينية و عربية و إنسانية يقتضي استقصاء ما يلي :
1- كيفية تعامل الكتاب المدرسي – المطالعة و النصوص بجزأيه – لصفوف المرحلة الأساسية العليا السابع ، الثامن ، التاسع – مع القصة القصيرة كفن يحمل خصائص متجددة متطورة .
2- الآلية التي وظف فيها الكتاب المدرسي – موضع البحث – المشهد القصصي الفلسطيني المعاصر .
لو استعرضنا القصص الواردة في كتاب المطالعة و النصوص بجزأيه للمرحلة الأساسية العليا ، تلك القصص التي بُنيت على نظام الوحدة الدراسية ، و احتشدت لأجل معالجتها العناصر التالية : " جو النص ، المعجم و الدلالة ، الفهم و الاستيعاب ، التحليل ، التدريب اللغوي ، التعبير أو التلخيص " سيطالعنا كم قليل من النصوص القصصية قياساً بالنصوص التراثية مما يجعلنا نستبعد النصوص التالية التي لا يمكن إخضاعها لشروط القصة القصيرة الحديثة :
أولاً: مجموعة الحكايات و الطرائف التي خُتم بها كل درس تحت لافتة " أقرأ و أستمتعُ " بهدف القراءة الذاتية حيث يبلغ عددها ستة و عشرين نصاً في كتاب الصف التاسع بجزأيه و ثمانية عشر نصاً في كتاب الصف الثامن بجزأيه ، و معظم هذه النصوص منتزع من الكتب التراثية خاصة "من قصص العرب" و "المستطرف في كل فن مستظرف" و "المنتخب من أدب العرب" حيث يحتفي خطاب تلك النصوص بتكريس مبادئ الفصاحة والبلاغة ، و أغلبها مستهلك لا يفتح آفاق التخيل و لا يلامس الهم اليومي الحياتي ، و هنا يلفت الانتباه نصان انضويا تحت تلك اللافتة :
1- قصة العصفور و السلك للأديب المصري د.يوسف إدريس (التاسع :ج 2، ص86) وهذه القصة باعتمادها لغة الإيحاء و التكثيف والظلال المتدرجة والرموز الدالة تتخطى في مبناها و دلالاتها كثيراً من النصوص القصصية التي أُقرت ضمن نظام الوحدة الدراسية في الكتاب بحيث كان من الأجدى عدم تكبيلها بالقراءة الذاتية فقط .
2- فقرة منتزعة بتصرف من رواية نجوم أريحا للكاتبة (ليانا بدر) بعنوان (أريحا : أين هي الآن) (الثامن : 1) وهذه الفقرة لا يُعتد بها في مجال الاستشهاد بفن القصة القصيرة .
ثانياً: النصان التراثيان: ـ
ـ (الحمامة المطوقة) المقتبس من كتاب كليلة و دمنة (السابع :ج1).
ـ (عبد الله البري و عبد الله البحري) المنتزع من كتاب ألف ليلة و ليلة (الثامن ج1) لمجافاة هذين النصين لخصائص القصة الحديثة المحملة بالرؤى الجديدة .
ثالثاً : السيرتان الذاتيتان اللتان نشرتا قبلاً لكاتبين قصصيين و النصان هما :
1- نص (ذاكرة مكان) للأديبة ليانا بدر (الثامن ج1) حيث تستحضر من خلاله ذكريات طفولتها و تنقلها مع والديها من مكان لآخر راسمة صورتين لأريحا قبل الاحتلال الإسرائيلي و بعده ، و قد نشر هذا النص في مجلة الكرمل الفلسطينية عام 1998.
2- نص (مرارة البطالة) للكاتب حنا إبراهيم (الثامن ج2) أحد كتاب القصة القصيرة في الأرض المحتلة منذ عام 1948 و النص يرصد معاناة الكاتب في بدايات حياته زمن الانتداب البريطاني من خلال سيرته الذاتية المنشورة في كتاب (ذكريات شاب لم يتغرب) عام 1988.
رابعاً: المقامة البغدادية (الثامن ج2) و المقامة فن أدبي نشأ في القرن الرابع هجري وقد ساهم في ترسيخه بديع الزمان الهمذاني و مع أن المقامة تستخدم الأسلوب القصصي إلا أن غرضها لم يكن جمال القصص و إنما تجميع شوارد اللغة و نوادر التركيب في قطعة أدبية فنية بأسلوب مسجوع ، و يُلاحَظ على المقامة البغدادية التي اختارها الكتاب المدرسي أنها تحتفي بالخداع ولا ترى فيه إلا نوعاً من البراعة كما فعل بطلها عيسى بن هشام مع ضحيته ، إضافة إلى احتفائها بالألقاب و الصفات الذميمة المتبادلة بين النموذجين .
بعد هذا الكم من النصوص المستبعدة تتبقى ضمن نظام الوحدة الدراسية المستهدفة القصص العربية و المترجمة التالية :
1- (رجال في الشمس ) تلخيص لرواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني (السابع ج1) .
2 – (دون كيشوت ) اختزال لرواية الكاتب الإسباني ميجل دي سرفانتس (السابع ج2).
3 – (بائعة الكبريت) للكاتب الدنمركي هانس كريستان أندرسن ـ بتصرف ـ (السابع ج2) .
4 – (زائر المساء) للكاتب الفلسطيني المقيم في الأردن خليل السواحري (الثامن ج1).
5- (أسرة فقيرة) للكاتب الإيطالي جوزيف سيزار اّبا (الثامن ج1)
6 – (الحلم) نص مستل بتصرف من مقدمة رواية اللحن الأول للكاتبة الفلسطينية المقيمة في باريس ياسمين زهران (الثامن ج2) .
7 – (عطر من الماضي) للكاتب الأردني يوسف الغزو (التاسع ج1) .
8 – الدرس القاسي) للأديب الروسي أنطون تشيكوف (التاسع ج1) .
9 - (باب المدينة) للكاتب المصري محمد يوسف القعيد (التاسع ج2) .
بحيث يمكن حصر القصص – مجتمع البحث – ضمن المحاور التالية :
ـ القصص العالمية المترجمة .
ـ القصص العربية .
ـ القصص الفلسطينية .
أولاً :القصص العالمية :
1 - ( دون كيشوت) (السابع ج2) : لقد أثر البتر و التصرف المتعسف على النص المترجم المستل من رواية دون كيشوت للكاتب الإسباني (ميجل دي سرفانتس) ، فبدا السياق مشوشاً مفككاً منقطعاً غير مترابط منذ اللحظة الأولى و كأنه مبني على اللاشيء ، حيث يفتتح الدرس هكذا :
" و بعد أن يحدث هذا و أصبح أنا و تصبح زوجتي آن غيتير ملكة "
دون كيشوت :" و من الذي يشك في ذلك ؟ "
سانشو : "أنا ! .. أنا أشك ، لأنني أعرف زوجتي تمام المعرفة ! ..... "
بحيث يصعب على الدارس أن يعرف من هو دون كيشوت هذا و من هي غيتير أو سانشو ، بل من هي (دولسينا) التي استجار باسمها و هو يصارع مراوح الهواء و ما الذي يريدونه ؟ و لماذا ؟ فالشخصيات ناجزة و الأحداث مشوشة تطأ الذهن دون أي تمهيد و كان من الأجدى لو اشتمل النص على إضاءات أو أنشطة تتابع النص الروائي و توضح مساراته وصولاً إلى لحظة الدخول في الصفحات المجتزئة من النص ، فدون كيشوت بطل تباينت في الحكم عليه الأقلام ، حيث اعتبر البعض أن بطولاته كانت زائفة فيما أنصفه آخرون ، حيث إنه خاض المعارك و نازل طواحين الهواء لإرضاء سيدة الجمال (دولسينا) تلك المرأة التي اخترعها و حارب في سبيلها رغبة في إعلاء القيم .
و بمناسبة الحديث عن القصص المترجمة في الكتب المدرسية – موضع البحث ـ يبرز تساؤل مشروع عن السبب في عدم إدراج أية نبذة من سير الأدباء المترجم لهم و هم الدنمركي (هانس كريستيان أندرسون 1805-1875 ) و الإسباني (ميجل دي سرفانتس 1547-1616) والإيطالي (جوزيف سيزار آبا) رغم أن هناك إضاءات كاملة تناولت سير الأدباء العرب الآخرين .
2 - (بائعة الكبريت ) (السابع ج2) : للكاتب الدنمركي ( هانس كريستيان أندرسن ) ( بتصرف) . تحكي قصة طفلة يتيمة الأم ، لا تجرؤ على العودة إلى البيت لأنها لم تبع سوى علبة كبريت ، لتفترش زاوية بين بيتين ، محاولة أن تصد البرد الشديد والثلج المتساقط بإشعال عيدان الثقاب و رغم ما عانته من ظلم تفارق الحياة والابتسامة تطوق شفتيها الباردتين ، فها هي جدتها الحنون قادمة لتحملها عالياً حيث لا جوع و لا برد و لا عناء .
3- (أسرة فقيرة ) (الثامن ج1) : للكاتب الإيطالي (جوزيف سيزار آبا ).تطالعنا من خلال القصة أسرة كادحة لا تحصل على قوت يومها إلا بصعوبة بالغة ، لكنها تحتضن طفلين يتيمين فقدا أمهما .
4 - ( الدرس القاسي ) (التاسع ج1) : للأديب الروسي أنطون تشيكوف.(1860 – 1904) : يعرض الكاتب قصة خادمة مستكينة عاجزة ترضى بالقهر و تتلقاه صاغرة ، و لا تملك إلا الدمع و تقبل بما يُلقى إليها من فتات حتى على حساب كدها و شقائها و كأن الكاتب يريد أن يقول إن الدنيا لا تأتي بالإذعان و لكنها تؤخذ غلابا .
ولعل ذلك يعزز القناعة لدى المتعلم برفض مثل هذا النموذج النسوي العاجز المستلب المرأة (يوليا ) ، وهذا يتطلب إبراز نماذج نسوية فاعلة ، مكافحة ، قادرة على بناء ذاتها من خلال قصص الكتاب المدرسي .
ثانياً : القصص العربية :
1 - (عطر من الماضي )(التاسع ج1) : تطرح القصة لكاتبها الأردني يوسف الغزو قضية التمسك بالأرض عبر بطلها سالم العائد إلى قريته مع زوجته و أطفاله بعد غياب امتد عشرة أعوام ، بهدف إقناع والده كمحاولة أخيرة بفكرة بيع منزله القديم لاستثمار ثمنه في مشروع نافع ، و رغم أن القرية ليست بعيدة عن مكان عمله في المدينة بدليلين ، الأول : أن أباه قد زاره أكثر من مرة في المدينة ، و الثاني : عودته إلى القرية بسيارته ،مما يدلل على أن ما ساقه من تبريرات بغرض تسويق وتمرير فترة غيابه لا يتفق مع المنطق ، فتارة نجده يجنح إلى الاحتماء بمشاغل المدينة ، و تارة يعلق غيابه على مشجب زواجه من فتاة في المدينة ، و كأن مثل هذا النوع من الزيجات يفترض فيه أن يكون محبطاً مضاداً للمألوف .
في الخاتمة يأتي التنامي في تحول سالم سريعاً على عكس قناعاته التي امتدت عشر سنوات ، حين يعلن أمام زوجته و أطفاله رفضه بيع مسكن القرية (مستودع ذكريات الطفولة و الصبا) حالما يصل إليه حتى لو وافق أبوه على ذلك ، مما يجعلنا لا نتقبل بسهولة هذا التحول المفاجئ غير المبني على تراكمات .
2 - ( باب المدينة )(التاسع ج2) : للكاتب المصري محمد يوسف القعيد .
تطرح القصة بلغة مشحونة بالبساطة و العمق واقع القهر و القمع و الاستبداد الذي يعيشه الإنسان العربي الذي يحلم بأفضلية التغيير ، كما أنها تتعرض لقضية العلاقة بين القرية و المدينة ، عبر رموز تشي بالكثير من الإشعاعات و الدلالات من خلال وقفة أمٍ تحمل بين يديها طفل رضيع على باب المدينة التي غيّبت سجونها وبواباتها زوجها، ومن تلك الرموز :
- فضاء المدينة محاط بسور يتوسطه باب يبدأ من الأرض ولا ينتهي إلا في السماء ، و يسد عين الشمس .
- فضاء القرية يمتد إلى أبعد نقطة عند حافة الأفق لينام في حضن السماء .
- النباتات الشيطانية التي تملأ أرض المدينة تقابلها الأغصان الطرية التي تملأ القرية .
- الزهرة البيضاء التي نبتت في الأرض لتتحدى العفونة و النتانة و مراكز التفتيش.
- المرأة التي تفتش عن زوجها القابع في سجون المدينة محتفظة بطهرها و براءتها و خصبها في صورة لبن صدرها البكر النظيف .
- الطفل رمز المستقبل الحالم بالدفء و الأمان و مستقبل الأيام القادمة رغم رياح الأحزان و سجون العسكر .
ولعل خاتمة القصة (وقفت الأم تحمل الطفل ، كانا ينتظران ) توكيد على عدم الانكسار ، ويمكن القول هنا أن هذه القصة تقترب أكثر من غيرها من بنية القصة الحديثة ، حيث لغتها الغنية بالإيحاءات و الصور والألوان التي تسهم في إبراز قبح الواقع و تشف عن رؤى جديدة .
ثالثاً : القصص الفلسطينية :
1- ( رجال في الشمس ) للأديب غسان كنفاني (السابع ج1) : القصة اختزال وتوليد قيصري وتكبيل لرواية متكاملة عبر خمس صفحات احتلت الكتاب المدرسي ، حيث تحولت هذه الرواية ـ التي تشكل إحدى العلامات الإبداعية الفنية المضيئة في تاريخ الأدب الفلسطيني ـ إلى نص مشوه الملامح منغلق يصعب التعرف من خلاله على كُنه العمل الفني الأصلي بأحداثه و شخوصه ، و قد كان من الأجدى اعتماد قصة قصيرة لذلك الكاتب الفذ و ما أكثرها أو إقرار النص الروائي كاملاً دون تلخيص أو بتر كنشاط مرافق لكتاب المطالعة و النصوص .
2- (الحلم ) (الثامن ج2) :
نص مجتزأ من مقدمة رواية اللحن الأول للكاتبة الفلسطينية المقيمة في باريس ياسمين زهران ، حيث تؤكد الرواية التي نشرتها الكاتبة في بدايات التسعينيات من القرن الفائت على حلم العودة إلى قرية شِعَب الله - أرض الصبا المصادرة منذ عام 1948- عبر الاتكاء على مخطوطة ضائعة تعثر عليها الكاتبة في خرائب بيتها القديم ، بحيث يمكن اعتبار المخطوطة نوعاً من استعادة الزمن المتوهج و استرجاع أيامه الضائعة ، و هنا تتحول المخطوطة إلى ذاكرة تاريخية تنهض فلسطين بكل عناوينها و جغرافيتها من بين صفحاتها ، و لعل النص المنتزع من مقدمة الرواية بعنوان ( الحلم ) كنص مدرسي لا يشي بشيء يمكن أن يضيء النص الروائي الأصلي المستبعد و إن بدت اللغة هنا مليئة بالتوتر الإنساني المعبر عن أوجاع الشخصية .
3 - ( زائر المساء) (الثامن ج1) للكاتب الفلسطيني المقيم بالأردن خليل السواحري ولعل هذا النص يشكل النموذج القصصي الفلسطيني الوحيد في كُتب المطالعة و النصوص للمرحلة الأساسية العليا .
من خلال أحداث القصة نتتبع لقاء الراوي بأبي صالح في فندق دمشقي إثر موعد مسبق حدده أبو صالح عبر الرسالة التي سلمها لموظف الفندق حيث يتذكر الراوي بعد محاولات تفكير مضنية أن الرجل الماثل أمامه هو والد صالح الورداني أحد تلاميذه النجباء في المدرسة الرشيدية المقدسية وأنه عندما التقى به في عمّان بعد ثلاث سنوات من نزوح 1967 أخبره و هو يرتدي ملابس الفدائيين أن صالحاً قد قُتل في أول أيام الحرب في شارع صلاح الدين ، وهاهو الآن يجلس أمامه بعد مرور عشر سنوات على لقائهما الأخير ليخبره أن عائلته ما تزال تعيش في عمّان ، وأنه يواجه الموت في كل لحظة في الجنوب وأن الشباب من أمثال صالح يسقطون كل يوم على أرض الجنوب فلا وقت للحزن ما دام الوطن هو الماضي والحاضر و المستقبل .
القصة في مجملها محاكاة للواقع عبر تفاصيل مفعمة بالحشو والإطالة الزائدة التي لا تشف عن دلالات جديدة بحيث يمكن حذف أكثر من نصفها دون أن يشكل ذلك أية جناية على بنيتها الفنية ، فالفترة الزمنية المحصورة بين مرحلة تسلم الراوي من موظف الفندق رسالة أبي صالح و مرحلة لقائه به ، تلك الفترة استهلكت أكثر من صفحتين لم تنجح تقنية السارد الذاتي التي لجأ إليها القاص في تطوير الحدث أو إضاءته ، بحيث يمكن استبعاد الصفحتين (40 ، 41) بكل اطمئنان وصولاً إلى الفقرة الثالثة من الصفحة التالية لهما لتبدأ القصة من عبارة : " في تمام الساعة السابعة كان رجل نحيف........." (ص42) .
إضافة إلى الحشو و الاسترسال يمكن تلمس روح الوعظ و الخطابية التي تفوح في النص ، كما في المقتبس التالي من حديث أبي صالح رداً على الراوي : " أهكذا هي حياتكم ؟ يا للعجب ! نحن في الجنوب نواجه الموت في كل لحظة ، و لكننا مع ذلك نحيا حياتنا ، حاضرنا كله امتلاء و عطاء ، و المستقبل لا يشغلنا كثيراً ولا نعبأ به لأننا على يقين بأن ما نفعله هو الذي سيصنع المستقبل " .
من هنا يمكن القول أن هذا النص ـ الذي لا يعتبر أجود إبداعات كاتبه ـ لا يستجيب للغرض الذي اُختيرت النصوص من أجله " تحقيقاً لرغبة المتعلمين في مواكبة العصر وولوج عالم الحداثة والانفتاح على الآخرين ....والإحساس بالكلمات الموحية ، و استشعار دلالاتها ومكامن الجمال الذي تشي به ظلالها و إشعاعاتها " بحسب مقدمة كتاب المطالعة و النصوص للصف التاسع .
ويلاحَظ هنا في مجال تتبع القصص الفلسطينية التي بنيت على نظام الوحدة الدراسية أن الطبعة الثانية لكتاب المطالعة و النصوص للصف الثامن ج2 للعام الدراسي 2003/2004 قد شهدت استبعاداً للنص القصصي(الطريق إلى طبرية) بعد عام من إقراره و تدريسه ، و هذا النص هو الفصل الرابع المنتزع بتصرف من رواية الأديب يحيى يخلف (بحيرة وراء الريح ) المنشورة في بيروت 1980، و الرواية تدور حول الواقع الذي أدى إلى احتلال مدينة طبرية حيث تؤكد الصفحات المنتزعة ـ التي حُذفت لاحقاً ـ أن المستعمرات اليهودية هي مصدر الخطر الدائم الذي يهدد حياة الإنسان الفلسطيني ، فضباع الغابة التي أرّقت نوم حامد و عبد الكريم و هما متجهان إلى مدينتهم طبرية ليست أقسى من الوحوش البشرية التي استولت على الأرض الفلسطينية .
ويمكن القول هنا أن إلغاء هذا النص مرجعه ضرورات مختلفة ليس لها علاقة بقضية اجتزاء فصل من سياق رواية .
ويسَجَّل هنا أيضاً جنوح القصص ـ موضع الدراسة ـ إلى استخدام تقنية السارد الموضوعي العارف ، العليم ـ الكلاسيكي ـ الذي لا تخفى عليه الأسرار ، فيما ندر توظيف تقنية السارد الذاتي ـ ضمير المتكلم ـ في الوقت الذي غاب فيه أسلوب تيار الوعي ـ المناجاة النفسية ، الحوار الذاتي ـ المعبر عن خبايا الشخوص و أحاسيسها و تطلعاتها بلا وساطة .
ملاحظات و توصيات :
بعد استعراض القصص الواردة في كتاب المطالعة و النصوص بجزأيه لصفوف المرحلة الأساسية العليا ( السابع و الثامن و التاسع ) يُلاحَظ ما يلي :
1- غياب المشهد الحقيقي للقصة القصيرة الفلسطينية من الكتاب المدرسي الفلسطيني – مجتمع البحث- .
2- ابتعاد النصوص القصصية التي اختارها الِكتاب المدرسي عن أساسيات الفن القصصي الحديث الذي يعتمد الإيحاء و التكثيف ومكوِّنات السرد المتطورة و الرموز الدالة المناقضة للحشو و الاسترسال والخطابية و الشرح عدا نموذجين أُحيل أحدهما ( قصة العصفور و السلك ) لزاوية القراءة الذاتية ( أقرأُ و أستمتعُ ) رغم أن هذه القصة تشكل حالة تجاوزت القصص التي تنعّمت بوحدة دراسية كاملة .
3- غياب قضايانا المصيرية و همومنا الحياتية ( الهوية الفلسطينية ـ بناء الإنسان الفلسطيني ـ الاحتلال ـ المقاومة ) من أجندة مضامين النماذج القصصية الفلسطينية المنتقاة .
4- تغييب الإبداعات القصصية للأقلام التي شقت درب الكتابة الوعر متجاوزة مراحل القهر وقوائم الممنوعات و المحظورات التي سادت الضفة الغربية و قطاع غزة بعد احتلال1967 ، فلم يتسع الكتاب ـ موضع الدراسة ـ لأي منها سواء في نصوص الوحدة الدراسية أو في نصوص القراءة الذاتية .
5- انتقاء كتاب المطالعة و النصوص ـ المستهدف بالدراسة ـ نماذج لأسماء قصصية لأسباب خاصة لا تتعلق بحجم الإبداع أو نوعه ، كما أنها لا تتعلق بمقولة " رفيعة المستوى " التي تبنتها مقدمة كتاب الصف السابع .
6- ضآلة الكم الممنوح للقصة القصيرة في الكتاب المدرسي ـ موضع البحث ـ قياساً بالحكايات و الطرائف التراثية البعيدة في معظمها عن الهم اليومي .
7- الأعمال القصصية العالمية المترجمة التي ضمها الكتاب المستهدف بالدراسة مكررة مستهلكة وكلها تنتمي للثقافة الأوربية ـ إسبانيا ، الدنمرك ، روسيا ، إيطاليا ـ مما يتطلب البحث عن نصوص أكثر معاصرة من جهة ، ممثلة لشعوب و حضارات متباينة متعددة من جهة أخرى .
8- التعامل مع الروايات بطريقة متعسفة ( بتراً، تقليماً ، ضغطاً ) لتتناسب مع حجم الدرس بما يشكله ذلك من تشويه يدفع باتجاه المطالبة بإقرار نصوص روائية ، أو نصوص لمجموعة قصصية فلسطينية مشتركة كنشاط مرافق لكتاب المطالعة و النصوص دون اجتزاء أو حذف
عدل سابقا من قبل ابو الساهر في السبت ديسمبر 19, 2009 3:55 am عدل 1 مرات (السبب : خطا في العنوان)
ابو الساهر- عدد المساهمات : 121
نقاط : 2147483647
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 11/12/2009
شذى الروح :: استراحة :: قصص واقعية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الخميس يناير 14, 2010 5:28 am من طرف ابو الساهر
» صحاب طول العمر
الخميس يناير 14, 2010 5:24 am من طرف ابو الساهر
» ساق الله
الخميس يناير 14, 2010 5:22 am من طرف ابو الساهر
» ياليت اليوم تفهمني وتفهم خاطري
الخميس يناير 14, 2010 5:20 am من طرف ابو الساهر
» دببابنة
الخميس يناير 14, 2010 5:14 am من طرف ابو الساهر
» الوردة
الخميس يناير 14, 2010 5:12 am من طرف ابو الساهر
» يا غافل تب لله
الخميس يناير 14, 2010 5:00 am من طرف ابو الساهر
» طلة رمضان
الخميس يناير 14, 2010 4:55 am من طرف ابو الساهر
» رمضان ما احلى رمضان
الخميس يناير 14, 2010 4:53 am من طرف ابو الساهر